والإجماع السكوتي أيضاً فإن الصحابة استدلوا بخبر الواحد وعملوا به واحتجوا به وشاع ذلك بينهم من غير نكير. وحجة الثاني من الشرع الآية والإجماع السكوتي المذكوران، ومن العقل أنه لو لم يجب العمل به لعطلت الأحكام المدونة بخبر الواحد، وهي كثيرة جدا، ولا سبيل إلى القول بتعطيلها.
وبالمصالـح عَنيـتُ المرسلــه @ لـه احتجاج حفظتـه النقلــه
يعني أن مالكاً t نقل عنه الاحتجاج بالمصالح المرسلة أي المطلقة من الاعتبار والإلغاء، أي التي لم يرد عن الشارع أمر بجلبها ولا نهي عنها بل سكت عنها، لأن المصالح على ثلاثة أقسام:
الأولى: المصلحة المعتبرة شرعاً أي التي أمر الشارع العباد بجلبها لأنفسهم كمصلحة حفظ العقل فإن الشارع أمر بجلبها إجماعاً، ولذلك يحرم استعمال كل مأكول أو مشروب أو مشموم يزيل العقل بالقياس على الخمر.
الثانية: الملغاة شرعاً أي التي نهى الشارع العباد عن جلبها لأنفسهم كمصلحة ارتداع الملك عن الجماع في نهار رمضان فإنها لا تجلب له إلا بإلزامه التكفير بصوم شهرين متتابعين فلا تخيير بينه وبين الإطعام والعتق لسهولة بذل المال عليه في شهوة الفرج؛ وقد ألغى الشارع هذه المصلحة بتخيير المجامع في نهار رمضان في التكفير بين الصوم والإطعام والعتق، ولم يفرق بين الملك وغيره، وكمصلحة التقوي على الحصاد وحمل الأثقال فإنها لا تجلب للعامل إلا بإباحة الفطر له في رمضان وقد ألغاها الشارع بإلزمه الصوم بقوله]فمن شهد منكم الشهر فليصمه[ فلذلك لم يقسه الفقهاء على المسافر في إباحة الفطر بجامع المشقة، فلا يجوز له الفطر فيه إلا إذا خاف في أثناء النهار أنه إذا تمادى على الصوم إلى الغروب أورث ذلك له مرضاً أو هلاكاً.
الثالثة: المصلحة المرسلة أي المطلقة من الاعتبار والإلغاء وهي حجة عند مالك، ومعنى احتجاجه أنه يأمر بجلبها ويقيس عليها كمصلحة الإقرار من المتهم بالسرقة، فإن مالكاً يبيح جلبها بضربه حتى يقر وحجته في العمل بها أن الصحابة y عملوا بها، فإن من المقطوع به أنهم كانوا يتعلقون بالمصالح في وجوه الرأي ما لم يدل دليل شرعي على منعها ككتابتهم للمصحف ونقطهم وشكلهم له لأجل حفظه من النسيان، وكحرق عثمان t للمصاحف وجمع الناس على مصحف واحد خوف الاختلاف في الدين، فجواز الكتابة والحرق هو الحكم المعمول به لأجل المصلحة المرسلة التي هي الحفظ من النسيان والسلامة من الاختلاف في الدين. وأبى عن الاحتجاج بها كبار أصحاب مالك وجمهور العلماء وقالوا لا يجوز ضرب المتهم بالسرقة ليقر لأنه قد يكون بريئاً، وترك الضرب لمذنب أهون من ضرب بريء، وقال الغزالي إنما يجوز العمل بها إذا كانت في محل الضرورة بأن كانت إذا لم تجلب أدى ذلك لهلاك الدين أو النفس أو العقل أو النسب أو المال أو العرض بشرط أن تكون كلية أي عامة على بلاد الإسلام، وأن تكون قطعية الوقوع، مثال استعمالها رمي الكفار المتترسين بأسرى المسلمين في الحرب المؤدي إلى قتل الترس معهم إذا قطع أو ظن ظناً قريباً من القطع بأنهم إن لم يرموا استأصلوا المسلمين بالقتل الترس وغيره، وإن رموا سلم غير الترس من المسلمين فيجوز رميهم لحفظ باقي الأمة، فالحكم هو جواز رمي الكفار مع الترس، والمصلحة المرسلة حفظ سائر المسلمين، وهذه المصلحة واقعة في محل الضرورة لأنها إذا لم تجلب أدى ذلك إلى هلاك نفوس جميع المسلمين ووقوعها قطعي، لأن الرمي يدفعهم عن المسلمين قطعاً وهي عامة على المسلمين.
ورعي خلف كان طورا يعمــل @ بـه وعنـه كان طورا يعــدل
يعني أن رعي الخلف أي مراعاة الخلاف من أدلة مالك التي كان يستدل بها لكنه يعمل بها تارة ويعدل عنها تارة أخرى فلا احتجاج بها دائماً.
ورعي الخلف: هو إعمال المجتهد لدليل خصمه أي المجتهد المخالف له في لازم مدلوله الذي أعمل في عكسه دليلا آخر، مثاله: إعمال مالك دليل خصمه القائل بعدم فسخ نكاح الشغار في لازم مدلوله الذي هو ثبوت الإرث بين الزوجين المتزوجين بالشغار إذا مات أحدهما، وهذا المدلول هو عدم الفسخ، وأعمل مالك في نقيضه وهو الفسخ دليلا آخر، فمذهبه وجوب فسخ نكاح الشغار وثبوت الإرث بين المتزوجين به إذا مات أحدهما واعترضه عياض بأنه مخالف للقياس الشرعي؛ لأن القياس الشرعي أن يجري المجتهد على مقتضى الدليل، واعترضه أيضاً بأنه غير مطرد في كل مسألة خلاف، وذلك مشكل لأنه إن كان حجة عمت في كل مسألة وإلا بطلت، لأن تخصيصه ببعض مسائل الخلاف تحكم أي ترجيح بلا مرجح.
وأجاب ابن عرفة بأن رعي الخلف حجة في بعض المسائل دون بعض، وضابط ذلك رجحان دليل المخالف عند المجتهد على دليله في لازم مدلول دليل المخالف، فليس تحكماً لأن له مرجحاً، وثبوت الرجحان ونفيه إنما يكون بحسب نظر المجتهد في النوازل واعترضه بعض الفقهاء بأنه يقتضي إثبات اللزوم بدون لازمه، لأن فيه إثبات ملزوم دليل المجتهد المراعي للخلاف كمالك في المثال، بدون لازمه لأن مالكاً أثبت فسخ نكاح الشغار لدليل شرعي دون لازمه الذي هو عدم الإرث بين الزوجين وذلك محال. وأجيب بأن استحالة وجود الملزوم بدون لازمه لا تكون إلا في اللزوم العقلي وأما اللزوم الشرعي فلا استحالة في انفكاك الملزوم فيه عن اللازم مع وجود ملزومه كموجبات الإرث كالبنوة مثلاً فإنها ملزومة للإرث شرعاً أي جعلها الشرع ملزومة له، وقد ينتفي الإرث بموانع كالكفر والرق مع وجود البنوة، والأصل فيه عند مالك قوله r في قصة ولد زمعة الذي اختصم فيه سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة كل منهما يدعيه، يدعي سعد أنه ابن أخيه عتبة، ويدعي عبد أنه أخوه لأنه من أمة أبيه، فألحق رسول الله r الولد بصاحب الفراش الذي هو زمعة، وللعاهر الحجر أي الرجم واحتجبي منه يا سودة لما رأى من شبهه بعتبة، فراعى رسول الله r الحكمين أي حكم الفراش فألحق الولد بصاحبه الذي هو زمعة وحكم الشبه فأمر بنت صاحب الفراش التي هي سودة بنت زمعة بالاحتجاب من الولد.
ويشترط في جواز مراعاة الخلاف أن لا يؤدي إلى صورة تخالف الإجماع كمن تزوج بغير ولي ولا شهود بدانق مقلداً أباحنيفة في نفي الولي ومالك في نفي الشهود والشافعي في الدانق وهو نصف سدس الدرهم، فإن هذا النكاح يجب فسخه أبداً إجماعاً، ويشترط فيه أيضاً أن لا يترك المراعي له مذهبه بالكلية كأن يتزوج مالكي تزوجاً فاسداً على مذهبه صحيحاً عند غيره ثم يطلق ثلاثاً، فإن ابن القاسم يلزمه الثلاث مراعاة للقول بصحته، فإن تزوجت من قبل زوجا لم يفسخ نكاحه عند ابن القاسم لأن الفسخ حينئذ إنما كان مراعاة للقول بصحة النكاح الأول، ومراعاة الخلاف مرتين تؤدي إلى ترك المذهب بالكلية.
وهل على مجتهـد رعـي الخلاف @ يجب أم لا قد جرى فيه اختـلاف
يعني أن الفقهاء اختلفوا هل رعي الخلاف يجب على كل مجتهد من العلماء المالكية أم لا يجب على قولين، واختلفوا أيضاً هل يراعى كل خلاف أو إنما يراعى منه المشهور فقط.
وهذه خمـس قواعـد ذكــر @ أن فروع الفقـه فيها تنحصــر
يعني أن فروع الفقه كلها تنحصر في هذه الخمس التي سيذكرها قريباً، ومعنى انحصارها فيها أن الفروع كلها مستخرجة منها بالنظر إما بواسطة أو بوسائط، وأشار إلى تعداد القواعد الخمس بقوله:
وهي اليقين حكمـه لا يرفــع @ بالشك بل حكـم اليقيـن يتبـع
يعني أن الأول من القواعد الخمس هي أن حكم اليقين لا يرفع بالشك بل يتبع حكم اليقين أي يستصحب ويلغى الشك، لأن القاعدة الشرعية أن الشك يلغى عند جميع العلماء ويستصحب الحال الذي كان قبله، قال المقري: قاعدة المعتبر في الأسباب والبراءة وكل ما تترتب عليه الأحكام العلم ولما تعذر في أكثر الصور أقيم الظن مقامه لقربه منه، وبقي الشك ملغى على الأصل إلا أن يدل دليل خاص من الشرع على اعتباره كالنضح من الشك في إصابة النجاسة، وكالوضوء من الشك في الحدث عند مالك؛ وأما إتمام الصلاة فالمعتبر فيه عند الشافعي والباجي اليقين وعند النعمان وابن الحاجب الظن؛ وقال الأبياري الأصل اتباع الظن مطلقاً حيث لا يشترط العلم ما لم يرد في الشرع المنع من ذلك كمنع القضاء بشهادة العدل وإن غلب على الظن صدقه، وهذا مما قدم فيه النادر، وأما الشك فساقط الاعتبار إلا في النادر كنضح من شك في إصابة النجاسة وغسل اليدين عند القيام من النوم.
ومن فروع هذه القاعدة لزوم البناء على اليقين لمن شك ثلاثا أو أربعاً، فإن المتيقن ثلاثة لأن الأربعة وجبت بيقين فلا تبرأ منها إلا بيقين. ومنها لزوم البينة للمدعي لأن الأصل براءة ذمة المدعى عليه فلا تعمر إلا بيقين.
والأصل في هذه القاعدة قوله r في المصلي الذي يجد بين أليتيه شيئاً أنه لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً قاله القرافي في الهيث الهامع؛ قال حلولو وهذه القاعدة تشتمل على قاعدة العمل بالاستصحاب وتندرج فيها قاعدة إلغاء الشك في المانع واعتباره في المقتضي والشرط.
قلت: ومعنى ذلك أنا إذا شككنا في المانع ينتفي الحكم لأن ثبوته منتف قبل الشك، وإن شككنا في السبب لم نرتب المسبب لأن عدمه متيقن قبل الشك، وإن شككنا في الشرط لم نرتب المشروط لأن عدمه متيقن قبل الشك.
مثال الشك في المانع: الشك في الطلاق فإنه لا ينتفي به الحكم المتيقن الذي هو استمرار العصمة وحلية الاستمتاع؛
ومثال الشك في السبب: الشك في دخول الوقت فإنه لا يترتب عليه السبب الذي هو إيجاب الصلاة لأن عدمه متيقن فلا يثبت بالشك؛
ومثال الشك في الشرط: الشك في الطهارة فإنه لا يترتب عليه المشروط الذي هو صحة الصلاة لأن عدم الطهارة هو المتيقن قبل الشك فلا يترتب.
وضـرر يـزال، والتيسير مـع @ مشقـة يـدور حيثمـا تقــع
(وضرر يزال) يعني أن القاعدة الثانية من القواعد الخمس الني تنحصر فيها فروع الفقه وجوب إزالة الضرر عمن نزل به، والأصل فيها قوله r: "لا ضرر ولا ضرار" لأن الشريعة مبنية على جلب المصالح ودفع المفاسد.
وتندرج في هذه القاعدة قاعدة ارتكاب أخف الضررين المتعارضين؛ ومن فروعها شرع الزواجر من الحدود والضمان ورد المغصوب مع القيام وضمانه بالتلف، والتطليق بالإضرار والإعسار.
(والتيسير مع . مشقة يدور حيثما وقع) يعني أن القاعدة الثالثة من القواعد الخمس التي يدور عليها الفقه دوران التيسير مع المشقة حيثما وقعت أي كلما وقعت المشقة حساًّ جاء التيسير شرعاً. والأصل فيها قوله تعالى ]وما جعل عليكم في الدين من حرج[.
ومن فروع هذه القاعدة الأخذ بالأخف، والرخص كجواز القصر والجَمع والفطر في السفر. قال القرافي: المشاق قسمان، قسم لا تنفك العبادة عنه فلا يوجب تخفيفا، لأن العبادة قررت معه كالوضوء في البرد والصوم في الحر، وقسم تنفك عنه وهو ثلاثة أقسام، فإن كان في الضروريات عفي عنه إجماعاً كما إذا كان فيه هلاك نفس أو عضو، وإن كان في مرتبة التتميمات لم يعف عنه إجماعاً كما إذا كان فيه مجرد جهد فقط، وإن كان في مرتبة الحاجيات فمحل خلاف بين العلماء كما إذا كان فيه مرض خفيف.
وكل مـا العـادة فيـه تدخـل @ من الأمـور فهي فيـه تعمــل
يعني أن كل ما تدخل فيه العادة أي عادة العوام القولية والفعلية من الأحكام الشرعية فهي عاملة فيه أي محكمة فيه تخصيصه إن كان عاماً وتقييده إن كان مطلقاً وتبيينه إن كان مجملاً. والذي تدخل فيه عادة العوام القولية أي الذي تحكم فيه هو ألفاظ الناس في الأيمان والمعاملات من العقود والفسوخ والإقرارات والشهادات والدعاوى، وهي في غلبة استعمال اللفظ في معنى غير معناه الأصلي أم لا حتى يصير هو المتبادر إلى الذهن منه عند الإطلاق ويصير المعنى الأصلي كالمهجور.
مثال تخصيصها للعام حمل يمين من حلف أن لا يركب دابة على ذوات الأربع، فلا يحنث بركوب غيرها من كل ما يدب على وجه الأرض، كما إذا ركب نعامة أو إنساناً مع أن لفظ الدابة لغة يشمل كل ما ذكر ولكن خصصته العادة القولية بذوات الأربع.
وأما عادة العوام الفعلية فهي غلبة معنى من المعاني على جميع البلاد أو بعضها، وهي محكمة في أمور معلومة كمعرفة أسباب الأحكام من الصفات الإضافية كصغر ضبة وكبرها، وإطلاق ماء وتقييده، وغالب الكتابة، ونادر العذر ودائمه وتقدير نفقات الزوجات والأقارب وكسوتهم، وكتمييز ما هو الأنسب للرجال من متاع البيت وما هو الأنسب للنساء منه.
مثال تحكيمها القضاء للمرأة بالفرش والوسائد إذا اختلفت مع الزوج فيها ولا بينة لأن العادة قاضية أنها لا يملكها إلا النساء، وكالقضاء بآلة الحرب للرجل إذا اختلف مع امرأته ولا بينة، لأن العادة قاضية أنها لايملكها إلا الرجال؛
والأصل في هذه قوله تعالى ]خذ العفو وامر بالعرف[ وقوله r لهند بنت عتبة: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" لما قالت له إن أبا سفيان رجل مسيك.
ولم يتكلم الناظم على العادة الشرعية لأنها من جملة الأدلة الشرعية تخصص عموم الآيات والأحاديث وتقيد مطلقاتها وتبين مجملاتها وتنسخ المتقدم عليها.
وهذه القواعد الأربعة ذكرها القاضي حسين، وقال إن فروع الفقه كلها آئلة إليها، وبحث بعضهم في ذلك فقال في رجوع جميع الفقه إليها تعسفا لأن أصوله منتشرة تتضح بالتفصيل، وزاد بعض العلماء قاعدة خامسة وإليها أشار الناظم بقوله:
وللمقاصــد الأمـور تتبــع @ وقيل ذي إلى اليقيـن ترجــع
(وللمقاصد أمر تتبع) يعني أن الأمور تتبع المقاصد فإن كان حسناً كان حسناً، وإن كان قبيحاً كان قبيحاً.
ومن فروعها تمييز العبادات من العادات بالقصد وتمييز مراتب العبادات بالقصد لأن القصد شرط صحة في العبادات المحضة وشرطٌ لحصول الثواب في جميع الأعمال. ومنه تخصيص العموم وتقييد المطلق في الأيمان بالنية على تفصيل يذكر في كتب الفروع.
وتندرج في هذه القاعدة قاعدة سد الذرائع إلى الفساد وقد تقدم بيانها. والأصل فيها قوله r: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"
(وقيل ذي إلى اليقين ترجع) أي وقيل إن قاعدة تبعية الأمور لمقاصدها ترجع إلى قاعدة اليقين لا يرفع بالشك، لأن الشيء إذا لم يقصد فنحن على يقين من عدم حصوله، وهذا القول حكاه الشيخ حلولو.
وقيل للعـرف وذي القواعــد @ خمستها لا خـلف فيهـا وارد
(وقيل للعرف) أي وقيل إنها ترجع إلى قاعدة تحكيم العرف أي أنها داخلة فيها، وهذا القول حكاه ولي الدين العراقي عن بعض العلماء قال لأن العادة تقتضي أن غير المنوي من غسل وصلاة وكنيابة في عقد لا يسمى غسلا ولا قربة ولا عقداً؛ وقد رد الشيخ عز الدين أحكام الشرع كلها إلى جلب المصالح ودرء المفاسد.
(وذي القواعد . خمستها لا خلف فيها وارد) يعني أن هذه القواعد الخمس لا خلاف بين العلماء كلهم في كونها أصولا تبنى عليها فروع الشريعة، وإنما الخلاف بينهم في تفصيل ذلك؛ قال في نشر البنود ورجوع بعض فروع الفقه إلى هذه الأصول فيه تكلف باعتبار وسائط، فلو زيدت الأصول التي ترجع إليها فروع الفقه مع وضوح الدلالة لزادت على المائين.
قد تم ما رمت وللَّــه الحميـد @ مني حمـد دائـم ليـس يبيــد
وأطيب الصـلاة مع أسنى السلام @ على محمد وآلـــه الكــرام
(قد تم ما رمت) أي ما قصد نظمه (ولله الحميد) أي المتصف بصفة الحمد في الأزل (مني حمد دائم ليس يبيد) أي لا يفنى على مد الدهور (وأطيب الصلاة مع أسنى السلام) أي ومنه أطيب الصلاة وأضوى السلام (على محمد وآله الكرام) جمع كريم؛ وآله: المؤمنون من بني هاشم.
وهذا آخر ما أردنا من شرح منظومة الفقيه سيدي أحمد بن محمد بن أبي كف، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيئين وإمام المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وتابعيهم وتابع التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.
انتهى بحمد الله وحسن عونه وتوفيقه الجميل وحسبنا الله ونعم الوكيل.
نقله ورتبه: الشاطبي الوهراني
في 08/2005م
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الحمـد للــه الذي قد فهمـا @ دلائـل الشـرع العزيز العلمـا
ثم الصـلاة والسـلام أبـــدا @ على النبـي الهـاشمي أحمــدا
وآلـه الغرّ وصحبـه الكــرام @ والتابعيــن لهـم على الـدوام
وبعد فالقصد بذا النظم الوجيـز @ ذكر مباني الفقه في الشرع العزيـز
فقلت واللـه المعيـن أستعيــن @ وأستمد منه فتحــه المبيــن
أدلـة المذهب مذهـب الأغـرّ @ مالك الإمام ستــة عشـــر
نص الكتـاب ثم نصّ السنَّــه @ سنَّـــة من لــه أتمّ المنَّــه
وظاهر الكتـاب والظاهـر مـن @ سنـة من بالفضل كلِّـه قمـن
ثم الدليل من كتـاب اللـــه @ ثم دليـــل سنــــة الأواه
ومن أصولــه التي بهـا يقـولْ @ تنبيـه قرآن وسنـة الرســولْ
وحجة لديـه مفهوم الكتــاب @ وسنة الهادي إلى نهـج الصـواب
ثمت تنبيــه كتـاب اللَّــه ثم @ تنبيه سنة الذي جـاهاً عظــم
ثمت إجمـاع وقيـس وعمــل @ مدينة الرسول أسـخى من بـذل
وقول صحبـه والاستحســان @ وهو اقتفـاء ما لـه رحجــان
وقيـل بل هـو دليـل ينقـذف @ في نفس من بالاجتهـاد يتصـف
ولكن التعبيـر عنــه يقصــر @ عنه فلا يعلـم كيـف يخبــر
وسـد أبواب ذرائـع الفســاد @ فمالـك لـه على ذه اعتمــاد
وحجـة لديـه الاستصحــاب @ ورأيــه في ذاك لا يعـــاب
وخبر الواحد حجـة لديـــه @ بعض فروع الفقـه تنبني عليــه
وبالمصالـح عنيـت المرسلــه @ لـه احتجاج حفظتـه النقلــه
ورعي خلف كان طورا يعمــل @ بـه وعنـه كان طورا يعــدل
وهل على مجتهـد رعـي الخلاف @ يجب أم لا قد جرى فيه اختـلاف
وهذه خمـس قواعـد ذكــر @ أن فروع الفقـه فيها تنحصــر
وهي اليقين حكمـه لا يرفــع @ بالشك بل حكـم اليقيـن يتبـع
وضـرر يـزال والتيسيـر مـع @ مشقـة يـدور حيثمـا تقــع
وكل مـا العـادة فيـه تدخـل @ من الأمـور فهي فيـه تعمــل
وللمقاصــد الأمـور تتبــع @ وقيل ذي إلى اليقيـن ترجــع
وقيل للعـرف وذي القواعــد @ خمستهـا لا خـلف فيهـا وارد
قد تم ما رمت وللَّــه الحميـد @ مني حمـد دائـم ليـس يبيــد
وأطيب الصـلاة مع أسنى السلام @ على محمد وآلـــه الكــرام
(انتهى)